top of page
  • د. محمد علي البار

التداوي قرب نهاية الحياة والإنعاش القلبي الرئوي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ( الذي خلق الموت والحياة ليلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور )[1] فسبحان من تفرد بالبقاء وكتب على جميع مخلوقاته الموت حتى الأفلاك تموت .. حتى الشموس تموت ولها عمر محدود مهما طال وحسب بمئات الملايين من السنين .. وبعض المخلوقات مثل البكتريا عمرها ساعة أو بضع ساعات ، وبعضها عمرها يوم أو بعض يوم مثل ذبابة مايو .. ومنها ما يصل إلى مئات السنين مثل بعض الأشجار المعمّرة .. ومنها الملائكة والتي تعيش منذ أن خلقها الله إلى أن يحين أجلها .. وملك الموت آخرها موتا. وإبليس اللعين طلب من ربه البقاء إلى يوم يبعثون ( قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون. قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم )[2].

والصلاة والسلام على خيرته من خلقه وصفية من إنسه وجنّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي خاطبه ربه فقال : ( إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون )[3]

ولا مهرب لأحد من الموت ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)[4]. وقال تعالى : ( قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين )[5] . .

وقال سبحانه عز من قائل : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين . ولن يتمنوه أبدا بما قدّمت أيديهم والله عليم بالظالمين . ولتجدنهم أحرص الناس على حياة . ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر والله بصير بما يعملون )[6] .

وفي الحديث ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أكثروا من ذكر هادم اللذات ( الموت ) وقال : كنت نهيتكم عن زيارة القبول ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة .. إلى آخر ما جاء من آيات وأحاديث في ذكر الموت .

ومع هذا فللموت سكرات يعاني منها المؤمن والكافر ، وقد عانى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سكرات الموت ليضاعف له الأجر ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يدخل يده في الماء ثم يمسح بها وجهه ويقول : اللهم هوّن علي سكرات الموت . وكانت فاطمة رضي الله عنها تقول واكرب أبتاه فيقول صلاة ربي وسلامه عليه : لا كرب على ابيك بعد اليوم ) أخرجه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه. وذكر ابن ابي الدنيا من رواية شهر بن حوشب مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الموت فقال : إن أهون الموت بمنزلة حسكة في صوف فهل تخرج الحسكة من الصوف إلا ومعها صوف ).

ويستحب عند الاحتضار ذكر آيات الرجاء والشهادة وقراءة سورة يس فكلها مما يخفف النزع ولا بد للإنسان أن يوصي إن كان له شيء وأن يذكر ديونه وماله ما عليه وذلك في حال صحته ويتأكد ذلك في مرض الموت.

وقد كان الناس يموتون في بيوتهم وبين أهليهم ـ في الغالب الأعم ـ ثم ظهرت هذه الآلات الحديثة والتقدم الطبي وأكثر الناس يموت اليوم بين الأطباء والآلات والمنفسات ( آلات التنفس الحديثة ) . وقد أدّى ذلك أحيانا إلى معالجات غير ذات جدوى ولا فائدة بل هي عبث محض وتزيد من آلام المريض المدنف وأهله .. وتستقطع آلاف الملايين من الريالات أو الدولارات فتكلفة المريض الواحد الذي لا يرجى برؤه ورغم ذلك تعطى له هذه الأجهزة المكلفة تزيد على مليون ريال وبعضها يبلغ عشرات الملايين وهذه الحالات أصبحت تملأ المستشفيات وسواء كان الذي يدفع هذه الأموال الهائلة أهل المريض أو الدولة أو التأمين ... الخ فإن الخسائر رهيبة ودون جدوى ولا فائدة وإنما يستفيد منها بعض المستشفيات.

أحكام التداوي:

قال الإمام ابن تيمية في الفتاوى: "التحقيق أن من التداوي ماهو محرم ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو مباح ومنه ماهو مستحب ومنه ماهو واجب : وهو ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره . ليس التداوي بضرورة بخلاف أكل الميتة"[7]. وقال رحمه الله :" وأما التداوي فلا يجب عند أكثر العلماء وتنازعوا : هل الأفضل فعله أم تركه على طريق التوكل[8]".

ويرى كثير من أئمة العلماء أن التداوي أفضل للأحاديث الكثيرة الواردة في التداوي ولأنه تداوى بنفسه صلى الله عليه وسلم وتداوى آل بيته وأصحابه في عهده ، وأحيانا كثيرة بأمره وتوجيهه .

والقول الآخر أن ترك التداوي أفضل واستدلوا بحديث السبعين ألفا الذين لا يرقون ولا يسترقون .قال صلى الله عليه وسلم : (سبعون ألفاً يدخلون الجنة لا حساب عليهم ، الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون )

وحديث المرأة السوداء التي كانت تصرع وتتكشف فقالت :( يارسول الله ادع الله أن يشفيني فقال : إن شئت دعوت الله لك فشفاك وإن شئت صبرت ولك الجنة قالت : يارسول الله أصبر .. ولكني اتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها بذلك فكانت تصرع ولا تتكشف ) أخرجه البخاري ومسلم .

وهناك أحاديث كثيرة في هذا الباب

.. قال ابن تيمية في الفتاوى : إن خلقا من الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون كأبي بن كعب وأبي ذر الغفاري وأبي بكر الصديق رضي الله عنهم جميعا.

ومعلوم أن التداوي لا ينافي التوكل، وكذلك الأخذ بالأسباب إنما هو جزء من التوكل، وقد أفاض ابن القيم والذهبي وغيرهما في ذكر ذلك ،ولا مجال لذكره هاهنا.

وقد أوجز الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين الأسباب الداعية إلى عدم التداوي ، وهي : (1) مرض الموت : يكون المريض قد علم بقرائن أن مرضه مرض الموت وأن الدواء بالتالي لا ينفعه وهو ما حدث لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وبعض الصحابة رضوان الله عليهم. (2) أن تكون العلة مزمنة والدواء الموصوف موهوم النفع ويغلب على الظن عدم نفعه وفائدته . قال الغزالي : وأكثر من ترك التداوي من العباد والزهاد هذا مستندهم . وذكر أسباباً أخرى كثيرة.

الموت الدماغي :

هناك العديد من الفتاوى الهامة التي تبيح إيقاف الأجهزة في مثل هذه الحالات ومنها فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم 6619 وتاريخ 15/2/1404هـ برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

وقرار مجلس المجمع الفقهي الدولي رقم (5) د 3/7/86 في الدورة الثالثة المنعقدة بعمان الأردن في 13 صفر 1407هـ 16 اكتوبر 1986م والتي اعتبرت موت الدماغ موتا.

وقرار المجمع الفقهي الاسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 28 صفر 1408 21 اكتوبر 1987 وفيه جواز رفع أجهزة الإنعاش إذا ثبت موت الدماغ ثبوتا قطعيا.

وفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم 120866 وتاريخ 30/6/1409هـ وفيها جواز رفع أجهزة الإنعاش إذا ثبت موت الدماغ ثبوتا قطعيا، وعدم إجراء الإنعاش القلبي الرئوي إذا قرر ثلاثة من الأطباء المنختصين الثقات عدم جدوى هذا الإجراء .

ولكن للأسف تركت بعض وزارات الصحة في البلاد العربية والإسلامية الأطباء دون تعليمات واضحة مما يعرضهم للمسائلة أو المحاكمة أو الاتهام بقتل المرضى أو إهمالهم ، وذلك عند إيقافهم أجهزة الإنعاش أو عدم استعمال الإنعاش القلبي الرئوي . وتناقش هذه الورقة الإنعاش القلبي الرئوي والتداوي قرب نهاية الحياة ومتى يقرر الأطباء ذلك ؟ وما هي الشروط الطبّية التي يجب أن تتوافر لإصدار مثل هذا القرار ومن هم الذين يحقّ لهم إصدار مثل هذا القرار وماهو دور الأهل في ذلك؟

وقضية التداوي قرب نهاية الحياة هامة جدا ، وما هو دورالأطباء في تخفيف معاناة المريض وأهله وكيفية العناية به دون اللجوء إلى الإجراءات العنيفة وإلى استعمال الإنعاش القلبي أو الأجهزة المصاحبة لذلك.

الإنعاش القلبي الرئوي :

الإنعاش القلبي الرئوي هو عملية إنقاذية لشخص توقف قلبه أو تنفسه فجأة أو في بعض الحالات المرضية بصورة متوقعة. وهي تتمثل في الضغط على الصدر في منطقة القصّ بحوالي مائة ضربة في الدقيقة لتعيد القلب إلى النبض. كما يتم النفخ عن طريق الفم بحوالي 8-12 مرة في الدقيقة هذا إذا كان المصاب في المنزل أو في الشارع أما إذا كان في المستشفى أو في سيارة الإسعاف فيضاف إلى ذلك جهاز (الصدمة القلبية) موقف الذبذبات القلبية وجهاز تنفس وإدخال أنبوبة التنفس إلى الرغامي (القصبة الهوائية) أو على الأقل استخدام جهاز أمبو للمساعدة في التنفس. ويضاف إلى ذلك إعطاء عقاقير عن طريق الأوردة أو الشرايين أو في القلب مباشرة وذلك لتنشيط القلب وإعادته إلى الحركة بعد توقفه لدقائق معدودة.

والهدف من كل ذلك استمرار الدور الدموية لإيصال الدم والأوكسجين إلى الدماغ وبقية الأعضاء وذلك يستدعي الإنعاش القلبي الرئوي بالإضافة إلى إدخال أنبوب الهواء إلى القصبة الهوائية والتنفس الإصطناعي واستخدام جهاز موقف الذبذبات القلبية (الصدمة القلبية) وإعطاء العقاقير المنشطة للقلب والدورة الدموية.

ويجب الإسراع بالإنعاش القلبي الرئوي لأن الدماغ لا يتحمل انقطاع الدم والأوكسجين لفترة أكثر من أربع دقائق. ويصاب بأذى بالغ إذا لم يتم إعادة الدورة الدموية خلال سبع دقائق ويموت الدماغ إذا توقفت الدورة الدموية والأوكسجين عنه لمدة عشر دقائق وقد تحدث الوفاة الدماغية في مدة أقل من ذلك.

اتخاذ قرار بعدم إجراء الإنعاش القلبي الرئوي:

إن الهدف هو حفظ الصحة موجودة واستعادتها مفقودة. فإذا كان التداوي سيؤدي إلى ضرر أو أن نوع التداوي لا فائدة ترجى منه فلا داعي لإجراء هذا التداوي. وقد سبق ذكر حديث السبعين ألفا الذين لا يرقون ولا يسترقون وحديث المرأة وذكر عدد من الصحابة الذين رفضوا التداوي في مرض الموت.

من هم الذين يقرر الأطباء عدم استخدام الإنعاش القلبي الرئوي معهم؟

1- المرضى الذين يعانون من مرض نهائي مثل سرطان متقدم ومنتشر أو إصابات متعددة ومتقدمة من أنواع الشلل، أو مرض الزهايمر المتقدم، أو مرض القلب المتقدم مع حدوث جلطات سابقة وتوقَّفِ القلب تمَّ إنقاذه أكثر من مرة، أو فشل لمجموعة من الأعضاء الهامة مثل الرئتين مع فشل قلبي، أو فشل في الكبد والكلى، أو وجود صدمة انتانية، أو وجود حالة يعتقد الأطباء أن نسبة نجاح الإنعاش القلبي الرئوي والإجراءات الأخرى المصاحبة ضئيلة جداً جداً ولا تكاد تذكر، وأنه حتى لو نجح الإجراء الطبي في إبقاء المريض على قيد الحياة فإنه سيكون في حالة غيبوبة ومعتمداً تماماً على الأجهزة ولا يوجد أي أمل في تحسّن حالته.

2- المرضى الذين قرروا أثناء وعيهم التام وإدراكهم الكامل أنه إذا وصلت حالتهم الصحية إلى درجة معينة فإنهم يرفضون إجراء الإنعاش القلبي الرئوي أو أي نوع من أنواع التداوي يقررونه هم.

من يقرّر عدم إجراء الإنعاش؟

ينبغي أن يقرر ذلك كبير الأطباء المعالجين Most responsible physician بالاتفاق مع طبيين آخرين اختصاصيين أو استشاريين أو أحدهما استشاري والآخر أخصائي, وإذا اختلف الأطباء في ذلك فلا ينبغي أن يؤخذ هذا القرار حتى يتمّ اقتناعهم جميعاً بعدم جدوى الإنعاش القلبي الرئوي . وإذا تم الاتفاق فعليهم أن يوقّعوا جميعاً في ملفّ المريض على ذلك ويكون القرار واضحاً لهيئة التمريض أو أي طبيب آخر ويبقى هذا القرار ساري المفعول حتى يحدث ما يوجب تغييره بسبب تغيّر حالة المريض.( يحدد المستشفى المدة حسب الحالة او حسب سياسة المستشفى التي تجعل المدة مثلا ثلاثة أشهر يجب مراجعة هذا الامر بعدها ) .

ينبغي أن يعرف الأطباء وهيئته التمريض ما ينبغي فعله لكل مريض تحت رعايتهم وأن تكون التعليمات واضحة كالآتي:

1- إجراء جميع أنواع الإنعاش المتقدمة كاملة (Full code).

2- إجراء الإنعاش المحدد (Limited code) وهذا يعني عدم إجراء الإنعاش الرئوي وعدم إجراء التنفس الصناعي (عدم إدخال أنبوب التنفس إلى القصبة الهوائية (Endo tracheat) وعدم إدخال المريض إلى قسم العناية المركزة وعدم إعطاء العقاقير الرافعة للضغط أو المنبهة للقلب والدورة الدموية (vasopressors Ionotropes) وإذا كان المريض على جهاز التنفس وفي العناية المركزة فلا ينبغي أن تزداد الدرجة العلاجية التنفسية أو القلبية.

3- عدم الإنعاش القلبي الرئوي وعدم إدخال المريض إلى العناية المركزة وعدم التنفس الصناعي واستخدام المنفسة وعدم إعطاء العقاقير الرافعة للضغط والمنبّهة للقلب والدورة الدموية. ويستمر إعطاء مسكنات الألم ومضادات الغثيان، وصعوبة التنفس مع إبداء التعاطف التام مع المريض وذويه وإيجاد كل الوسائل التي تخفف معاناتهم والاهتمام بالناحية الدينية والروحية للمريض.

4- في حالة أن المريض أو أهله (وهو الغالب) قرروا استخدام كافة وسائل الإنعاش بما فيها الإنعاش الرئوي بينما يرى الأطباء عدم جدوى ذلك فعلى الأطباء توضيح الحالة والاستعانة بمن يستطيع شرح فتوى هيئة كبار العلماء والتي تقرر أن هذه الحالة تخضع لقرار الأطباء المعالجين. وفي حالة فشل التفاهم يحوّل المريض إلى مستشفى آخر أو جهة أخرى تقبل القيام بمثل هذه الإجراء.. ومن المتوقع أن يرفض المستشفى الآخر أيضاً هذه الإجراءات إلا إذا كان عامل الربح مسيطراً على إدارة المستشفى ..وفي جميع الحالات يجب توثيق ما حدث في ملف المريض وتوقيع الطبيب المعالج ووكيل المريض أو ولي أمره.

واجبات الطبيب المعالج:

1- أن يتعـرف على الحالات التي تعتبر مرشحة لعدم الإنعاش القلبي الرئوي (DNR).

2- أن يقرر أن الحالة قد وصلت بالفعل إلى اتخاذ قرار عدم الإنعاش الرئوي القلبي وذلك باستشارة طبيبين آخرين ذوي خبرة في هذا المجال، وأن يوقع الجميع على هذا القرار في ملف المريض، وأن يكون القرار مكتوباً (DNR) بخط واضح وكبير ويقرأه كل من يتصفح الملف من أطباء وممرضين مع توضيح السبب الذي أدى إلى هذا القرار.

3- أن يوضح هذا القرار للمريض، إذا كان ذلك ممكناً، وبألطف أسلوب، ويستعين في ذلك بالمرشد الديني، وبقرار هيئة كبار العلماء ..وفي الغالب يصعب شرح ذلك للمريض نفسه لإضطراب وعيه ولحالته النفسية. وفي هذه الحالة يجب الشرح الكامل لأهل المريض (أكبر الأبناء أو ولي أمر المريض أو وكيله الشرعي)، وينبغي أن يتحدث الطبيب بأسلوب واضح ومتعاطف مع المريض وأهله ويستعين بالمرشد الديني وبفتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ،الفتوى رقم 1086 بتاريخ 30/6/1409هـ.

4- أن يوضح للأهل أن جميع وسائل الرعاية الأخرى ستستمر وأن معالجة الألم والغثيان وصعوبة التنفس ستعالج بدون استخدام المنفسة (Ventilator).

5- الإستعانة بالمرشد الديني والأخصائي الإجتماعي والأخصائي النفسي وشرح ذلك لأهله.

وأهم فتوى في هذا الصدد هي فتوى : اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

بالمملكة العربية السعودية فتوى رقم (12086) تاريخ 30/6/1409هـ

وبعد دراسة اللجنة أجابت بما يلي:

أولاً: إذا وصل المرض إلى المستشفي وهو متوفى فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش.

ثانياً: إذا كانت حالة المريض غير صالحة للإنعاش بتقرير ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات لا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش

ثالثا ً إذا كان المرض مستعصيا غير قابل للعلاج ،وأن الموت محقق بشهادة ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش.

رابعاً: إذا كان المريض في حالة عجز أو في حالة خمول ذهني مع المريض مزمن أو مرض السرطان في مرحلة متقدمة أو مرض القلب أو الرئتين المزمن مع تكرار توقف القلب أو الرئتين، وقرر ثلاثة من الأطباء المختصين الثقاب ذلك فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش.

خامساً: إذا وجد لدى المريض دليل على الإصابة بتلف في الدماغ مستعص على العلاج بتقرير ثلاثة من الأطباء المختصين الثقاب فلا حاجة أيضاً لاستعمال جهاز الإنعاش لعدم الفائدة في ذلك.

سادساً: إذا كان إنعاش القلب والرئتين غير مجد وغير ملائم لوضع معين حسب رأى ثلاثة من الأطباء المختصين الثقاب فلا حاجة لاستعمال آلات الإنعاش، ولا يلتفت إلى أولياء المريض في وضع آلات الإنعاش أو رفعها لكون ذلك ليس من اختصاصهم.

وبالله التوفيق...وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبة وسلم

التداوي قرب نهاية الحياة End of Life Care:

سبق أن أوضحنا كيفية الوصول إلى قرار عدم الإنعاش القلبي الرئوي (DNR) وأهمية الاستمرار في رعاية المريض والمتمثلة في الآتي:

1- تخفيف أو إزالة الآلام بقدر الإمكان، وهذا يعني استخدام المورفين أو مشتقاته .

وقد اتفق الأطباء على أن تسكين الألم الشديد مهمٌّ جداً للمريض فإذا كان المريض يعاني فعلاً من آلام مبرحة فإنه يعطي المورفين ومشتقاته وردائفه بأقل قدر ممكن بشرط أن يخفف ذلك الآلام المبرحة . ولابد من استخدام الوسائل الأخرى لتخفيف الألم بما في ذلك الناحية الدينية والاجتماعية والنفسية ،وبعض العمليات المقصود منها تخفيف الآلم وتسكينه بإعطاء حقن خاصة في الجهاز العصبي (الأعصاب ، العقد العصبية، مسارات الأعصاب... الخ).

وإذا كان تخفيف الألم يستدعي إعطاء المورفين أو مشتقاته فلا بأس بذلك ولو أدّى في بعض الحالات إلى تثبيط مراكز التنفس، وهو ما قد يعتبر تعجيلاً بنهاية المريض. وقد انتشر استخدام مشتقات القنب الهندي (الحشيش والماريوانا) في حالات الإيدز قرب النهاية. وفي حالة قرب نهاية الحياة في هولندا ثم في الولايات المتحدة وأوروبا بنتائج جيّدة وبدون التأثير على مراكز التنفس وبالتالي تقلّل الحاجة إلى المورفين ومشتقاته.

2- عدم الإنعاش القلبي الرئوي، وما يتبعه من تنفس صناعي وإدخال الأنبوب إلى القصبة الهوائية، وعدم استخدام جهاز مانع الذبذبات القلبية، وعدم إعطاء العقاقير المنبهة للقلب والدورة الدموية والضغط (التوتر الشرياني).

3- عدم إعطاء العلاجات القوية مثل أدوية السرطان إذا لم تكن هناك فائدة ترجى.

4- عدم إجراء الغسيل الكلوي إذا احتاجه المريض وكل الإجراءات (التداخلية) ، في هذه الحالات .

5- الاستمرار في الرعاية التمريضية وتسكين الآلام وإيقاف الغثيان بالعقاقير المناسبة وصعوبة التنفس بإعطاء الأوكسجين دون جهاز التنفس الصناعي.

6- الاستمرار في التغذية والتروية غالباً عن طريق أنبوب المعدة من الفم او مباشرة عبر جدار البطن بواسطة عملية جراحية بسيطة . (PEG) وللاسف فإن المحاكم في الولايات المتحدة قد وافقت على ايقاف الغذاء والماء حتى يموت المريض المدنف إذا اشار أثناء وعيه على أنه لا يريد البقاء أو ان ولي أمره قد قرر انهاء حياته المرضية ، وللأسف فإن بعض الأطباء المسلمين الذين درسوا في الغرب بدأوا بنشر هذه الفكرة وأن أعطاه الماء والغذاء بواسطة الانبوب ليس إلا نوعا من العلاج يمكن ايقافه والادعاء بأن المريض قد يشرق بالماء أو الغذاء ، وهذا غير صحيح إذا كانت التروية والتغذية عبر انبوب صغير مباشر الى المعدة عبر جدار الباطن (PEG)

7- مداواة الائتانات الرئوية أو البولية بالمضادات الحيوية.

8- التوقف عن مداواة الصدمة الائتانية Septic Shock التي لا تستجيب للعلاج.

9- الرعاية الفائقة من الناحية النفسية والدينية والاجتماعية وتيسير زيارة الأهل وإعطاء المريض الكثير مما يطلبه مما لا يضرّه ضرراً مباشراً.. يُمنع التدخين منعاً باتاً.. ويجب أن يمنع التدخين منعاً باتاً داخل جميع المستشفيات، ويُفرض ذلك على الموظفين والزوار والمرضى.. ويتم إيجاد غرفة خاصة للتدخين في أسفل المبنى أو خارج المبنى للموظفين والزوار.

مَنْ يتخذ القرارات؟

1- لاشك أن الطبيب المعالج الرئيس هو الذي يتخذ القرارات وذلك باستشارة اثنين من الأطباء الاختصاصين وأن يوقع الجميع على هذا القرار في ملف المريض.

2- لابد من مناقشة قرارات التداوي من عدمه مع استمرار الرعاية التمريضية والطبية لمعالجة الآلام والأعراض مع أهل المريض على حسب الولاية الشرعية

3- من الممكن أن يتخذ المريض نفسه في بداية مرضه أو حتى قبل مرضه قراراً واضحاً بما يرغبه من أنواع التداوي وما يرفضه.

4- يستطيع الطبيب المعالج أن يختبر قدرات المريض العقلية وهل باستطاعته اتخاذ القرارات التي يريدها المريض نفسه.

5- إن الوضع في البلاد العربية والإسلامية يُعطي الأهل دوراً كبيراً ويقللّ من دور الزوجة في اتخاذ القرارات الهامة بالنسبة للمريض بينما نجد في الغرب أن الزوج أو الزوجة Spouse يُعطى الحق الأول في اتخاذ القرارات نيابة عن المريض إذا لم يكن قادراً على اتخاذها بنفسه. ولم يكن قد أوضح ما يريده advanced directives أو الوصية الحية living will أو تعيين وكيل شرعي له لاتخاذ القرارات (Health Care Proxy or Attorney).

من الملاحظ أن هذه الحالات تزداد لدينا يوماً بعد يوم وتستهلك أموالاً طائلة سواء كانت من الدولة أو من التأمين أو من جيوب الأهل والفائدة منها معدومة أو تكاد تكون معدومة. ويمكن القيام بنشر ثقافة الرعاية المنزلية مع وجود زيارات منزلية منتظمة من الممرضة أو الممرض يومياً ومن الطبيب عند الحاجة أو مرة أو مرتين في الأسبوع أو حسب الحاجة.

كما يمكن إيجاد دور رعاية طبية تمريضية وتكلفتها أقل بكثير من تكلفة المستشفيات،وفي هذه الدور تقدم الرعاية التمريضية الجيدة والتغذية والتروية ومعالجة الأعراض ، وخاصة الآلام المبرحة والغثيان وضيق التنفس بالإضافة إلى الرعاية الدينية والروحية والاجتماعية والنفسية، وهذا كله يحفّف على المريض وأهله الآلام والمتاعب التي تصحب نهاية الحياة. وينبغي إذا كان المريض لا يزال واعياً من تقوية النواحي الدينية وتقوية استعداده للقاء الله ،فإن الموت علينا جميعاً حق ولابد أن نواجهه والاستعداد لذلك واجب ، ومن ذلك ردّ المظالم والوصايا وترتيب أموره والتصدّق بالمال وكثرة الاستغفار والصلاة حسب القدرة وكذلك الوضوء والتطهر حسب القدرة. وهذه الجوانب أكثر ما تشغل المريض في آخر حياته فعلينا الاهتمام بها وتيسير ما يريد فعله من هذه الأمور مع تقوية الرابطة مع أهل المريض الذي لا يتركونه في الغالب الأعم.

مشروع قرار ايقاف العلاج عن المريض الميئوس من علاجه

بعد الديباجة

1- التداوي بالعلاج المباح أمر مشروع ، قامت على مشروعيته وطلبه الأدلة الكثيرة من السنة النبوية ، القولية والعلمية والتقريرية فمن ذلك :

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أنزل الله داء الا أنزل له شفاء " أخرجه البخاري في صحيحه ، وحديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى " أخرجة مسلم ، وقد يجب التداوي – عند بعض أهل العلم – إذا تحقق نفعه ، وخيف الهلاك من تركه .

2- المحافظة على الانسان فريضة واجبة وكلي من أعظم كليات الشريعة ومقاصدها ، وحفظ اليسير من الحياة كحفظ الكثير من الحكم ولزوم الرعاية ، فقد يختم للانسان بخاتمة الحسنى في آخر لحظة من حياته فلا يشقى بعدها أبدا .

3- العلاج إذا كان موهوم النفع ، أو مقطوعا بعدم نفعه ، فالذي ينبغي عدم التداوي به لمنافاته للرضا بالقضاء والقدر ، ودلالته على التعلق بالوهم وعدم التوكل ، وحفظا للمال من التضيع .

4- لا مهرب لأحد من الموت ، قال تعالى { كل نفس ذائقة الموت } [ آل عمران :185]، وقال عز وجل { إنك ميت وإنهم ميتون } [ الزمر:30] ، والمؤمن يرجو الله تعالى والدار الآخرة .

وقد كان الناس – في الأعم الأغلب – يتوفون في بيوتهم وبين أهليهم ، ثم بعد هذا التقدم الطبي المذهل ، وتوفر آلألات والأجهزة الطبية الحديثة كان من ذلك ما أدى – بفضل الله تعالى – إلى انقاذ العديد من الأنفس ومعالجة كثير من الحالات المستعصية . لكن في الوقت نفسه كان من ذلك معالجات واستخدامات غير ذات جدوى وأثر ، وقد يزيد بعضها من آلام المحتضر ، ومعاناة أهله ، وزيادة العبء على الطاقم الطبي والتمريضي باستخرام بعض أجهزة التنفس الصناعي ، التي تبقي الانسان الميئوس من علاجه على المنفسة (Ventilator)

ويستقطع العلاج بهذه الأجهزة الملايين من الدولارات أو الريالات سنويا ، فتكلفة المريض الواحد الذي حكم الأطباء الثقات بعدم رجاوة برئه باهظة جدا ، وهو أيضا في الحالة نفسها قد يمنع الآخرين – يرجى برؤهم – من الاستفادة منها ، او الاستفادة بتحويل هذه التكاليف لعلاج آلاف المرضى من الأطفال والنساء والرجال .

لذلك يقرر المجمع

1- يجوز للأطباء التقات إذا قرروا عدم جدوى الانعاش القلبي الرئوي أو وضع أجهزة التنفس ( المنفسة ) , أو أي علاج آخر أن يقرروا عدم إجراء هذا العلاج , إذا قرروا بالاجماع عدم جدوى ذلك العلاج . وليس لأهل المريض أن يفرضو على الأطباء اجراء الانعاش القلبي الرئوي وإدخال المريض العناية المركزة واستخدام المنفسة ventilator.

2- هذا لا يعني أبدا عدم العناية بالمريض الميئوس من حياته ولا استمرار العناية به وتخفيف آلامه وتغذيته وترويته ومكافحة الانتانات الطارئة وتمريضه وتقديم العناية النفسية والروحية له ولأسرته . لا يمنع المريض ولو في الحالات الميئوس منها عن الماء والغذاء ، وإذا كان المريض لا يستطيع ذلك بالفم أو سيشرق به مما يؤدي الى انسياب الماء والطعام الى الرئة مؤديا الى اصابتها ، فإنه يمكن أن يعطى المريض الماء والغذاء بواسطة انبوب دقيق عبر الجلد الى المعدة والامعاء ( PEG ) . وليس هناك اي خطر من تغذيته بهذه الطريقة ، بل ان منع الماء والغذاء يؤدي عمدا الى قتل المريض صبرا ( خلال اسبوع أو اسبوعين على الاكثر) . وهو ما تمنعه تعاليم الاسلام ( دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من حشائش الارض ).

3- يجوز استخدام المسكنات القوية مثل مشتقات المورفيين أو غيرها , إذا كان المريض يعاني من آلام مبرحة . وتعطى بالمقدار الذي يخفف آلام المريض , ويقدره الطبيب أو الاطباء المعالجون .

4- يجوز إيقاف جهاز المنفسة (ventilator) والعلاجات المكثفة لاستمرار التنفس وضربات القلب إذا تم التأكد من تشخيص موت الدماغ بالفحوصات التأكيدية وبتقرير طبيبين استشاريين مختصين في اثبات موت الدماغ .

ولا يحق لأهل المريض الإعتراض على إيقاف الأجهزة متى تم توثيق التشخيص بالفحوصات الطبية المؤكدة لذلك . وهو ماذكرته فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية , وفتوى المجمع الفقهي الاسلامي , والمجمع الفقهي الاسلامي لرابطة العالم الاسلامي .

[1] ) سورة الملك : آية رقم 2 .


[2] ) سورة ص : الآيتان رقم 79 ، 80 .


[3] ) سورة الزمر : الآيتان رقم 30 ، 31 .


[4] ) سورة النساء : آية رقم 78 .


[5] ) سورة آل عمران : آية رقم 168 .


[6] ) سورة البقرة : الآيات 94 ـ 96


[7] ) فهرس الفتاوى ج 37 ص 471 .


[8] ) الفتاوى ج 24 ص 272 ـ 276 .

أحدث منشورات

عرض الكل

الموت وموت الدماغ في المفهوم الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم مركز أخلاقيات الطب – المركز الطبي الدولي- جدة ( الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليـبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور) "الملك /2" والقائل سبحانه وتعالي ( كل نفس ذائقة المو

eكل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الدكتور

 منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة ، أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية 

تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع 

:إيميل

Dr.mohammedalbar@gmail.com

 

الأيميل الأساسي  malbar@imc.med.sa 

 

الموقع الرسمي لدكتور محمد علي البار

© 2018 by Dr. Mohammad Albar

  • Google+ Social Icon
bottom of page